هيكل.. طريق أكتوبر والتغطية الإعلامية للحرب
رياح أميركية
محمد حسنين هيكل: مساء الخير. من أصعب التجارب في العمل السياسي أو في ممارسة العمل السياسي هي أن يجد أي شخص مكلف بمسؤولية من نوع ما في لحظة ما نفسه في مواجهة متناقضات لا يستطيع التغلب عليها أو لا يستطيع الإمساك بكل خيوطها. أظن أن هذا هو الموقف الذي وجدت نفسي فيه ومعي هذه المجموعة الممتازة من الدبلوماسيين ومن الصحفيين طوال شهر أغسطس سنة 1970، بالكاد تصورت كان مطلوب مننا في ذلك الوقت عبء عمل غريب جدا أو عمل سياسي دقيق جدا -لنكن واضحين- هذا العمل هو واحد أن نغطي سياسيا وإعلاميا قضية تحريك الصواريخ ثم أن نغطي سياسيا وإعلاميا قضية وقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف ثم أن نغطي هذا مع طرفين متناقضين كل منهما له رأي مختلف، الأميركان من ناحية واخدين موقف المشرف أو الموجه أو المقترح لوقف إطلاق النار وراء الأمم المتحدة ووراء مبادرة رودرز خلافا لمشروع روجرز وهذا موضوع شديد الدقة وإحنا كنا عاوزينه بالدرجة الأولى، لأسباب سياسية لكن بالدرجة الأولى لأسباب عسكرية هي إتمام بعض التحركات الضرورية لاستكمال حائط الصواريخ في ظرف يسمح بذلك في ظرف يسمح أنها لا تكون عملية مفتوحة مكشوفة قدام الضرب الإسرائيلي ولكن أن يكون لها غطاء سياسي وكان أوفر وأسلم غطاء في ذلك الوقت هو الموقف الذي نشأ في التمهيد لوقف إطلاق النار، التمهيد لوقف إطلاق النار كان حيبقى منتصف الليل ومن أول الليل لغاية ما بعديه بشوية تجاوزنا فيها ولكن تجاوزنا بمنطق معين حصل أن هذا الموقف بالفعل غطي وما كانش ممكن يغطى قبلها بالكفاءة الضرورية واللازمة لأنه لا بد أن يجيء في وقت بشكل ما في قيود على وقف إطلاق النار في قيود على العمل فوق الجبهة في انتظار لموقف لنتيجة سياسية لا يريد أحد إفسادها، وده كان موقفا مع الأميركان لا بد أن يعالج بشكل أو آخر، بنفس الوقت وقف إطلاق النار عامل مشكلة كبيرة جدا مع جماهير عربية كثير قوي لكن ما هو هام هو المقاومة الفلسطينية الموجودة في ذلك الوقت والمتمركزة في الأردن وهي على شكل جماعات متفرقة ومتوزعة من أقصى يمين لأقصى يسار وكلها على أي حال تتصور أن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة لا يناسبها وهي ضده على أي حال لأنه نفتكر أن كل منظمات المقاومة على اختلاف أنواعها وعلى اختلاف اتجاهاتها كانت كلها راغبة في أن الدول العربية الرئيسية تدخل في المعركة، مش بس تدخل، تدخل وتبقى طرفا فاعلا فيها دفاعا عن أراضيها هي وده اللي سموه حرب التوريط فما كادت أن تفعل ذلك وما كاد ذلك أن يتحقق لها إلا وهي تجد سنة 1970 أن في عملية وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية وبالطبع على الجبهة الأردنية. حتى ولو كانت مؤقتة حتى لوكانت لمدة ثلاثة شهور حتى لو.. ما كانش ممكن في ذلك الوقت حد يقعد يشرح لجماعات المقاومة يقول لهم والله الهدف الرئيسي والأساسي مما فعلناه هو استكمال حائط الصواريخ لأن الجبهة بهذا الحائط وراءها وحاميا لها سوف تكون في وضع تنتقل إلى وضع مختلف شديد الاختلاف، ما حدش يقدر يشرح لها الكلام ده وإلا هذا الكلام يبقى موجود ثاني يوم مشاع في عمان ومشاع في بيروت ومشاع في كل حتة في العالم العربي. وهنا كان جزء من التناقض اللي كنت موجود فيه مع جماعة من خيرة الدبلوماسيين ومن خيرة الإعلاميين، قضت الظروف في ذلك الوقت أن أبقى مسؤولا عن الإعلام ومسؤولا عن الخارجية، المهمتان متناقضتان، بطبيعة الإعلام لازم يتكلم ويشرح ويفيض في الشرح وطبيعة الخارجية لازم تتكتم وتوجه وتتكلم بحذر وبلغة هادئة، القضية شديدة الحساسية، الأطراف العربية حتى مختلفة فيها كلها، الأطراف الدولية في انقسام، الأميركان بيقولوا حاجة رأيهم في حاجة والمقاومة الفلسطينية بتقول حاجة ثانية، والوقت اللي الأميركان بيتهمونا فيه روجرز بيتكلم معي وبيتكلم في التلفون طول الوقت إنه إحنا في قدامه معلومات عن مخالفات لوقف إطلاق النار وأنا بأحاول أو بنحاول كلنا بقدر ما نستطيع يعني أنا بأحاول هنا وطقم الوزارة كله بيحاول في مكانه وطقم الأمم المتحدة وفيه الدكتور الزيات محمد حسن الزيات بيحاولوا والسفارات في كل مكان بتتحرك تحاول إقناعه بأنه نحن لم نخالف وقف إطلاق النار، عندنا إخوانا في المقاومة عمالين يصرخوا أن وقت إطلاق النار ده كلام مش معقول ونستطيع أن نرد عليهم ببساطة ونقول لهم والله وقف إطلاق النار ضروري للعمل العسكري حتى إذا كنتم بتتكلموا عسكري، لكن الكلام في هذه الجبهة يهزم الكلام في هذه الجبهة وبالتالي وخصوصا كمان أنه كان لا بد من كسب منطق معين، لا بد أن.. في مسألة مهمة جدا أنه في ذلك الوقت وفي كل وقت برأيي أن أي بلد لازم يتكلم لغة واحدة لكل الأطراف في نفس الوقت، لا يستطيع أي بلد في عرض سياسة أو في الدفاع عن سياسة أن يتكلم بلغة لهذا الطرف وأن يتكلم بلغة لطرف آخر لأن هذا كلام يؤدي به في النهاية إلى أسباب للحرج تضعف من موقفه بدل أن تقويه. فأنا في ذلك الوقت موجود قدامنا واحد اقتراح المبادرة، اثنين أن إحنا قبلناه وضمن وقف إطلاق النار، أن الأميركان بيشكوا أن إحنا بنخالفه، وبعدين الحاجة الثانية أن الفلسطينيين قالبين الدنيا كلها لأن في وقف إطلاق نار وهم لا يريدون وقف إطلاق النار، فهنا في هدف مطلوب لكن الضرورات اللازمة لكل جانب من جوانبه مختلفة متناقضة، اللغة الأطراف كل حاجة مختلفة، وهنا كانت صعوبة حقيقي صعوبة هذا الموقف. أنا كنت بأحاول مع روجرز وأنا كان عندي تعليمات من الرئيس عبد الناصر أنه بكل الوسائل إحنا عارفين أنه في صراع في الولايات المتحدة على من يمسك بأزمة الشرق الأوسط وفي روجرز وزارة الخارجية من ناحية وفي كيسنجر الأمن القومي من ناحية ثانية وفي تناقض بين الاثنين وإحنا عاوزين روجرز مش لأنه حيختلف في النهاية السياسية لكن على الأقل بيختلف في الولاءات، أنا واحد من الناس المعتقدين أن روجرز كان ولاؤه للولايات المتحدة بالمصالح الأميركية كما أراها وكما أختلف معها وكما أجد نفسي مضطرا إلى مقاومتها، لكن المشكلة مع كيسنجر أن كيسنجر لم يكن يفرق بين المصلحة الأميركية وبين إسرائيل، ونحن لا نريد إحراج روجرز بحيث تذهب الأمور إلى كيسنجر، في نفس الوقت حتى مع المقاومة في تناقض من هذا النوع لأن المقاومة الفلسطينية وهي تعارضنا ونحن نحاول أن نرد عليها نحاول أن نرد بحذر أن الملك حسين أو نظام الملك حسين أو عناصر في نظام الملك حسين لا تنتهز هذه الفرصة فتنقض على المقاومة دون هوادة وينتهي الموضوع، فإحنا بنتعامل مع أطراف كمان عندها مشكلة. زي ما كنت بأقول التعليمات اللي عندي من الرئيس عبد الناصر أنه بكل الوسائل حاول مع روجرز، أنا كنت تصورت أن الأزمة انتهت يعني جاء وقت بعد ثلاثة أربعة أيام، آه بلغونا في مخالفات وفي مشاكل وفي صور وفي معلومات لكن أنا تصورت للحظة من اللحظات أن ممكن الأزمة بلاش انتهت لكن على الأقل ثبتت في مكانها ولم تعد قابلة للتصاعد أكثر، فالرئيس عبد الناصر واحد طالب أن روجرز، اثنين إدارة الأزمة بأي طريقة بحيث لا تشعر الولايات المتحدة بحرج يدفعها إلى تصور أنها مسؤولة عن المبادرة في كل شيء فيها بما فيه ضمان وقف إطلاق النار وبالتالي تتدخل وده اللي كانوا طالبينه الإسرائيليون، نمرة ثلاثة أن شرح قضيتنا بحيث أن يبدو قدام العالم فعلا يعني أننا لم نخالف، وإحنا بالفعل لم نكن نخالف. في الوقت اللي تصورت فيه أن الأزمة هدأت لقيت روجرز بيضرب لي تلفون يوم 9 أغسطس بعد ثلاثة أيام مما تصورنا أن الأزمة هدأت، بيقول لي روجرز في التلفون، هو أحب يخليها رسمي قوي، بدأ برضه سيدي الوزير الأدلة متوفرة أمامنا على أنكم خالفتم وأنه في مخالفات أنا أعتقد أنكم لا بد أن تعودوا عنها. في هذا الجو بالذات بقى واضحا قدامهم أن في مخالفات بشاهد عملي أنهم هم الإسرائيليين بدؤوا يحاولوا يطلوا على إيه اللي حاصل بدؤوا يحاولوا يستكشفوا، مش قادرين يظبطوا حاجة قاطعة لكن واضح قدامهم أن الجبهة المصرية الخطوط المصرية حصل فيها تغير وبعدين حاولوا يجسوا النبض في جنوب الجبهة بتجربة عملية في السويس فسقطت لهم بعض طائرات الفانتوم أنا شخصيا لما الفريق فوزي بلغني بسقوط طائرات فانتوم في السويس ترددت دون أن أذيع النبأ لفترة طويلة قعدنا كذا وقت ما بنزيعوش وحتى لما أذعناه أذعناه على استحياء ولم أكن متأكدا أنه صحيح إلا بعد كده شفته ووجدت شاهده في مذكرات كيسنجر بيقول إن روجرز أحب يجامل المصريين ولا يضبطهم متلبسين بعملية حائط الصواريخ وهذا كلف إسرائيل خمس طائرات فانتوم سقطت، خمسة، عدهم وكيسنجر مش حيبقى هو بيمالئ الفريق فوزي أو الفريق فهمي قائد الدفاع الجوي. فروجرز بيكلمني وهذا الجو مضطرب وفي طائرات سقطت، فأنا بأقول له يعني أنا عايز أقول لك حاجة، وأنا في ده كنت صادقا ما كذبتش، نمرة واحد نحن لم نخالف وقف إطلاق النار، بالتأكيد لما أنت بتقول لي إنه حصلت تحركات أنا مسلم وأنا بأعترف معك أنه حصلت تحركات لكن هو السؤال معيار ما يربطني هل حدثت هذه التجاوزات أو التحركات بعد أن أبلغتك رسميا الساعة الواحدة والنصف صباحا يوم 8 أغسطس أنه إحنا سريان وقف إطلاق النار ساري أو لا، أجرينا تحركات في بعض التحركات الضرورية في وحدة كانت بعض جنودها بره راجعين لها، في وحدة كانت محتاجة أغذية ومحتاجة معدات راحت لها معدات، في وحدات كانت موجودة طالبة وحدات مستشفى معها راحت لها وحدات مستشفى، في قائد منطقة البحر الأحمر كان موجودا جوه في سيناء وهو الفريق الشاذلي في ذلك الوقت وكان لازم يرجع، فأنت لما بتقول لي إنه في حاجات لازم تتصحح ماذا أفعل في مثل هذا النوع من التحركات؟ بيقول لي إحنا يبدو في سياق الحديث واضح قدامي بيقول لي يبدو أن إحنا مش قادرين نتفاهم على معنى كلمة standstill ، standstills fire ده تعبير كان جديدا لأول مرة إحنا بنستعمله -هو بيقول لي كده- لكن هذا تعبير له معنى، لما نقول standstill وقف إطلاق النار في المواقع أي أنه لا ينبغي أن تحدث تغييرات على الجبهة ساعة أن أبلغناكم، أنا بأقول له إنه أنتم بلغتونا في بلاغ جاء لنا في الأول قبلها بخمسة ستة أيام أنه في حاجة standstills fire سوف يبلغ لنا وهذه شروطنا لكن لم نبلغ بسريانه لأنه ما تقوليش أنك لما أبلغتني، أنا من ساعة ما أبلغتني قبلها بخمسة أيام عن فكرة وقف إطلاق النار أنه من ساعتها حأقف لكن حأقف ساعة ما حتبلغني أنه سوف يبدأ سريان مفعول هذا الذي عرضناه عليكم من قبل خمسة أيام هذه الليلة، إذاً هنا تقدر تتكلم، وبعدين لا تستطيع أن تحاسبني أنا لم أرتكب مخالفات إلا تقدر تحاسبني على أي مخالفات أنا عملتها بعد الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل يوم 7 صباح 8 لكن ما قبل ذلك وهذا أنا استأذنتك فيه هذا أنا قلت لك عليه ورجوتك لأني مش عايز تأخيرها فإذاً أنا لم أخالف، هو بيقول لي أنت بتتكلم مستر minister أنت بتتكلم في الموضوع من وجهة نظر technical وأنا بأتكلم فيه من وجهة نظر روح المبادرة، أنت بتتكلم بالمنطق الفني وأنا بأقول لك روح الثقة السياسية هي اللي إحنا كان مفروض نبنيها. أنا بأحاول مع روجرز بكل الوسائل ولكن بدأت أحس حقيقة حجم الضغوط لأنه هو تكلم ثلاث أربع مرات في هذه الفترة تكلم يوم 9 وتكلم يوم 11 وكانت آخر مرة كلمني يوم 17 أغسطس علشان يقول لي إن إحنا مع الأسف الشديد حنطلع بيانا، وأنا لم أعترض على أي حال على هذا البيان، لكن اللي حصل.. ما أعترضتش عليه لأسباب حأقولها حالا، لكن اللي حصل أنني لم أدرك حجم الضغوط اللي كان روجرز بيتعرض لها، أولا شفت بعض الوثائق الإسرائيلية وشفت الورقة اللي كاتبها الجنرال ديان لمجلس الوزراء الإسرائيلي وبعدين شفت مذكرات رابين الجنرال رابين وهو رئيس أركان حرب سابق للجيش الإسرائيلي بعدين راح بقى سفيرا في واشنطن في هذه اللحظة الحرجة كان موجودا في واشنطن وكان هو حركة الوصل بين غولدا مائير رئيسة الوزراء وبين نيكسون الرئيس الأميركي وبالتحديد مع مستشاره للأمن القومي وهو هنري كيسنجر اللي كان تقريبا معتبرا نفسه سواء بولاءات إنسانية سابقة أو سياسية سابقة أو بعداء بشكل ما هو كان ضد كل حركة التحرر العربي وبيراها بتساعد الاتحاد السوفياتي بيرى أن حركات التحرر الوطني كلها على أي حال هي رصيد احتياطي يساعد الاتحاد السوفياتي سواء قصد أو لم يقصد، والحاجة الثالثة أنه هو كان عداؤه لروجرز ورغبته في أن يأخذ أزمة الشرق الأوسط بيده ويحلها بمنطقه أو بمنطق معين يرد فيه الجميل لشعبه زي ما كان بيقول الشعب اليهودي لأنه هو كان عنده ولا يزال عنده مشكلة أن هو طلع في ألمانيا النازية يهودي تعرض للنازيين 34، 35 عائلته تعرضت يعني راح أميركا وفي أميركا جاءته الفرصة وجاءته فرصة بلا حدود وهنا كان بيعتقد أن ضميره يملي عليه أن يخدم شعبه زي ما هو كان بيقول وشعبه كان في ذهنه الشعب اليهودي.
تامصدر ك منتدى مدينة القرين